الأربعاء، 13 أبريل 2022

رحلتي إلى باريس 2012


 

 تأتي تلك الزيارة ضمن المعرض الذي نظمه نادي إن فوكس في ذكرى ثورة 25 يناير و ذلك بالتعاون مع مركز توثيق التراث في مقر اليونسكو في باريس و ذلك في يناير 2012

المغادرة :
أبدأ من لحظة الطيران , و لا بد أن أعترف انني من الذين يخافون جميع وسائل السفر و لي خبرات لا حصر لها رأيت فيها الموت محلقا سواء في البر أو البحر أو الجو , لكن لا داعي أن أصرفكم إلى جو من القلق أو التوتر , و لكن كان دائما المهرب الأساسي لي من هذه الحالة هي مشاهدة الأفلام أثناء الطيران و إحتضان الوسادة الصغيرة و إنتظار وجبة الغداء.
أثناء البحث في الأفلام المتاحة على الطائرة , عثرت على فيلم يحمل عنوان “midnight in Paris “ و بدون أدنى تفكير إخترت هذا الفيلم ليكون وسيلة الترفيه الرئيسية أثناء الطيران و حدث بالفعل و فوجئت بعبقرية السيناريو , الذي يتحدث عن أديب أمريكي يزور باريس , و تستغرقه تلك المدينة الساحرة , فيعزف عن خطيبته و يمضي الليل يتجول في شوارع باريس العريقه , يتأمل الأجيال الفنية التي سبقته و أبدعت بين جدران هذه الشوارع , وفي ليلة ساحرة زارته عربة قديمة الطراز و حملته في لحظة إلى زمن ماض , زمن يعيش فيه فيكتور هوجو و بيكاسو و غيرهم من عظماء الفن و الثقافة , و أطلعهم على روايته الجديدة التي تحمسوا لها كثيرا و تنبأ بعضهم أنه سيكون من أدباء المستقبل اللامعين , و لكم أن تتخيلوا بقية القصة ,و كيف صرت أنتظر لقاء هذه العربة الساحرة حتى تنقلني مساء إلى تلك الحضرة الفنية الخالدة , فلأول مرة أعرف أن أسطورة سندريلا هي أرقى و أجمل إذا ما كان البطل فنانا يبحث عن الخلود في حضرة الفن و الثقافة .

عين الطائر :
من أعلى تتجلى سحب كقطع القطن المندوف , إذا ما إسترقت النظر لمحت مشهد متكرر من لون أحمر هندسي التكوين , يحده مساحات خضراء متناسقة , تلك هي باريس من أعلى , جميلة من كل الزوايا .

دقة البرد :
الإنطباع الأول الذي كنت أخشاه , صرت أعشقه , ما أجمل تلك النسمة العليلة , و ما أرق ضوء الشمس المتسلل عبر بياض السحب الشاهق , و ما أجمل تلك الفتاة الفرنسية في تنورتها الرمادية و معطفعا الأحمر المتمرد.




الشانزلزيه و قوس النصر :


الحقيقة أنني لم أنبهر , خصوصا أنني لست من محبي التسوق و الشراء , و مضيت معظم الوقت في إنتظار الأصدقاء و هم يشترون هداياهم و يستغلون موسم التخفيضات قدر الإماكن , لكنني حزنت لذلك التشابه الكبير بين هذا الشارع الشهير و بين شوارع وسط البلد بالقاهرة , الأصل واحد , لكن يد الفساد زحفت إلى شوراع وسط البلد العريقة في مصر و نهشت تراثها الأوروبي الطراز , و أحالتها إلى فتاة جميلة لكنها مشوهة, و إذا سالتني ما ذا تتذكر من هذا الشارع , فجل ما أتذكره هو الأيس كريم رائع المذاق من محلات هاجز , فأنا لم أذق مثله من قبل .

البحث عن الحلال :
طبعا مثلي مثل كل المسافرين لأول مرة , تلقيت تنبيهات شديدة عن الحرص أثناء تناول اللحم , فلا بد من البحث عن كلمة حلال على رأس المطعم و إلا فلا تأكل غير السمك , و الحقيقة أن في باريس أسهل ما يمكنك الوصول إليه هو اللحم الحلال خصوصا الشاورما التونسية طيبة المذاق , فعلى بعد عدة مترات من الفندق عثرت على عدة مطاعم تونسية الأصل , فدخلت المطعم وحييت مالكه بالسلام عليكم و ردوا التحية بإبتسمة طيبه و استمتعت بساندويتش الشاورما مقابل 5 يورو فقط لا غير .




إيفل – البرج العاشق :
تخيل أنك تسكن على بعد 12 دقيقة فقط من برج إيفل , فلا تستبعد أن تقوم بزيارته مرتين يوميا , هذا البرج العاشق , لا أعلم من أين يستمد قوته , تلك الحضرة الرومانسية العمارة , طلته لا تقاس بما سواه , طفت حوله من كل الزوايا , لم أحرم الكاميرا من متعة رؤيته سواء من بعيد أو من قريب , لم أرغب أبدا في الصعود إلى البرج , الطلة الحقيقة تأتي من الوقوف أمامه , من الإمتثال لتلك الإرادة الحديدة الرشيقة , من لجظة الترقب التي يلتمع بها أطراف البرج بأنوار كلاسيكية الحضور , من رأسه المدبب يخترق قطع السحاب العابر مغازلا بأنواره أطياف السماء . تحية كبيرة لذلك المبدع الذي ألهب مشاعر العاشقين و الباحثين عن الجمال في كل مكان .







اللوفر :
لا أحتاج أن أضيف شيئا إلى هذا العنوان , و لو سألني أحد عن أكثر الهبات التي منحني الله إياها , لقلت هي زيارة متحف اللوفر . مثلي مثل الجميع , أخذت أبحث أنا وصديقي المصور أحمد عبد الفتاح عن تلك اللوحة المشهورة و التي يعرفها الصغير قبل الكبير , إنها الموناليزا , صاحبة الإبتسامة الحائرة بين السعادة و الشقاء , و يبدوا أن منسقوا المعرض قد علموا ان هذ الهدف هو غاية كل الزائرين , فقاموا بوضع الإتجاهات الرئيسية بحيث تطوف و تدور حول كل مكان على حسب موقعك من لوحة الموناليزا , فإذا أردت رؤية الهرم الزجاجي فلتتجه يسار الموناليزا , و إذا أردت أن ترى بعض التماثيل الفرعونية فلتذهب يمين الموناليزا , و هكذا يمكنك الذهاب إلى كل مكان على حسب موقعك من الموناليزا. و في رحلة الذهاب تعثرت في الكثير من اللوحات التي أصابتني بحالة من التشبع التشكيلي واللوني , الألوان و الوجوه تملأ كل مكان , فمن الحوائط إلى الأسقف إلى طلبة الفنون الجميلة الذين يجلسون وسط المتحف و يمارسون هوايتهم في نسخ بعض اللوحات إلى كراساتهم. و لكن لك ان تتخيل المفاجأة , وهي أنني ما وصلت إلى تلك اللوحة العظيمة حتى صدمني حجم تلك اللوحة العتيقة , فهي لا تتجاوز بضعة سنتيمترات عرضا و طولا , و لم أجد تلك الحالة التي توقعتها و تحمست لها , فدفعني هذا الامر إلى الإنتقال من تصوير اللوحة إلى تصوير تجمع المريدين حولها , و شعرت أن هذا الامر أهم قيمة من اللوحة ذاتها , ألا و هو ذلك البريق الخاطف الذي يسحر عيون المريدين .







الكتاب:
لكل مكان آية , و آية ذلك المكان هو الكتاب , لا تكاد تغادر بصرك من موقع لآخر حتى تلتقي مع من يستغرق في مطالعة أحد الكتب , ذلك مشهد ثابت في الأماكن كلها , تحت ظل شمس متوارية , و وسط حفيف راقص لأوراق الشجر المتأرجحة , و بين نسمة متدفقة , يصبح المكان مسرح مهيء للمطالعة و التأمل و الإسترخاء بين أحضان الكتاب .




النورس :
وسط السحاب الأبيض المتكاثف , تبدو حركة رشيقة بيضاء , تقترب من الأرض باسطة جناحيها , تهبط نحو طفلة تحمل بين اناملها قطعة من خبز , تخطفها و تنطلق بها بعيدا , ثم تعود لتلك الدورة من جديد , الطير لا يهاب البشر , تلك فطرة ذلك المكان الآمن .






السكريكير:

كنيسة السكريكير

يرتفع بنا المصعد أدوارا عديدة , فنحن على مشارف الوصول إلى مدينة السكريكير , من أعلى المناطق في باريس , حيث يمكنك رؤية المدينة كاملة و الإستمتاع بالوقوف على اعتاب السماء الباريسية المضيئة .
باريس من أعلى

مظاهر لا تتوقف :
أثناء رحلة الصعود أنت على لقاء مستمر مع عازفون يفترشون الطرق و السلاسلم , بعض الشباب البرازيلي الطلة يرقص الكابويرا في خفة و رشاقة , رجل بملابس عصر النهضة يمضي وسط الأزقة , تمثال أبيض ينظر لك في خفة ثم يغمس بعينيه للكاميرا , أجناس ملونة تجوب الأروقة و تجلس على سلالم الكنيسة لتستمتع بلسعة برد ممزوجة بدفء الشمس و مصور يلتقص الصور لفتاة جميلة أمام الأسوار العتقية .

ساعة صفاء








تلك لحظة لها عندي قدسية خاصة , اللحظة التي أقبل فيها على أحد الميادين , لأجد اللوحات ترتصف الطرق و تستند إلى الأشجار , مربع محدود الأطراف , تكاد تتعثر في الأعمال المنشورة , مدارس شتى تلتقي معها في ممرات الميدان , البعض يرسم و البعض الآخر يعرض لوحاته , و بإمكانك الحصول على بورتريه شخصي ب 10 يويرو فقط بعد فصال طويل , ألتقي باحد الفنانين العرب, و نتحدث لدقاق عن الثورة في مصر و ماذا حققت , أسعد بتلك الكلمات العربية التي نتبادلها وسط اجناس شتى لا يمكن حصرها .







إفتتاح المعرض :
إقبال غير متوقع و أعلام مصرية في أيد اجنبية , تشعر و أنت تضع علم مصر على ملابسك بحالة من الفخر و الزهو , نتوقف لدقائق مع الزوار للحديث عن ذكرى ال 18 يوم المجيدة , نهديهم بعض الميداليات منقوشة بخط عربي يحمل عنوان 25 يناير , وجوه الزائرين تحمل الفضول أمام الصور التي وثقت فنون الجرافيتي التي حكت نضال الثورة , يتكفل فريق مركز توثيق التراث بتوضيح مضمون الكتبات و ترجمتها للزوار , و نستعرض فيلم تسجيلي بانورامي عن أحداث الثورة و خطواتها المتواترة نحو يوم 11 فبراير المجيد .




ليلة باريسية مصرية :
تلك ليلة لن تنسى , تجولنا بها مع زملاء مصريين كنا قد تعرفنا عليهم من خلال مظاهرة تشاركنا بها أمام مقر السفارة المصرية في باريس , مظاهرة خالية من قنابل الغاز و الخرطوش , فقد عربتين من الأمن لحماية المتظاهرين و الإشراف على مراحل التظاهر , و ضمان سلمية الوقفة و التزامها بموعد المغادرة , ما يثير في هذا الأمر , انك في ظروف السفر تصبح مقبلا على أي مصري , مهما كانت مهنته أو سنه , فتختفي الأمراض الطبقية التي نتنفسها و نحن على أرض الوطن , فقط يكفي أن تتحدث مع أحدهم بلغتك الأصلية و تستمعا إلى أغنية واحدة و تشتركوا في المقهى و كوب الشاي الساخن في لسعة البرد المسائية .

العودة:
مزيج من الحزن و الفرحة , أن تغادر هذا الجمال هو عذاب حقيقي , لكن أن تحتفظ له بذكرى فذلك يجعله أمرا مخلدا , و رغبة ملحة , و ملامح مجرد تذكرها يبعث في النفس حالة من السرور و الإشتياق .
طالما حلمت بزيارة باريس , سنوات حلمي سبقت حملي للكاميرا بسنين , و كنت قد انتويت زيراتها على حسابي الشخصي لمطالعة هذا الجمال , و شاء الله أن تحدث الزيارة , و أن تكون الكاميرا هي جواز مروري إلى ذلك المكان , أشكر الله على تلك الفرصة التي لن تعوض و أشكر كل من يسر لي هذا الأمر , صديقي كريم محمد , مركز توثيق التراث الذي أكن له كل احترام و تقدير , زملاء الرحلة و على رأسهم الصديق أحمد عبد الفتاح الذي شاركني معظم احداث السفر و شاركني الإقامة , شكرا للثورة التي أعطتني تلك الفرصة و شكرا لأنها كانت جزءا من حياتي القصيرة

و في النهاية أختم ببعض الصور التي قد تزيد من انطباعات القاريء و تغذي أفقه بالمزيد من الخيال.

كنيسة نوتردام

كتدرائية نوتردام

التريض في المدينة

توكتوك باريس

متحف اللوفر

نافورة سان ميشيل

إعلانات فيلم The Artisit  في محطات المترو

باريـــــــس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رحلتي إلى باريس 2012

    تأتي تلك الزيارة ضمن المعرض الذي نظمه نادي إن فوكس في ذكرى ثورة 25 يناير و ذلك بالتعاون مع مركز توثيق التراث في مقر اليونسكو في باريس و ...